منتدى فرفش وطنش
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شامل


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الصراصير تظهر ليلا

3 مشترك

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1الصراصير تظهر ليلا Empty الصراصير تظهر ليلا الإثنين يوليو 30, 2007 9:13 am

الغامض

الغامض
عضو فعال
عضو فعال

حسن، لنقل أن اسمي (س) أو (ص).في الواقع لا يهم كثيرا إن كان اسمي محمدا أو زيدا، فكل الأسماء في قصتي غير ذي دلالة؛ لأنها يمكن أن تحدث مع أي إنسان في العالم، بل إنها حدثت فعلا في الماضي، وهي تحدث الآن، ويمكن أن تحدث في المستقبل مع العشرات من التعساء مثلي؛ من الذين لا يقرؤون حركة التاريخ كما يجب.

على أية حال ليس هذا مهمّا، المهم هو خشيتي الدائمة أن لا أجد من يصدقني مهما بالغت في التلطف في عرض أحداث قصتي.

ببساطة أنا رجل شجاع وقوي أمام زوجتي ومستبد على أولادي، فخور بنفسي إلى حد الزهو؛ لأني استطعت أن أبسط سلطاني على بيت كبير فيه من المشاكل ما يفيض عن حاجته، ولا عجب في ذلك فقد ورثت هذه الصفة عن أبي الموصوف بجبروته، وأبي كذلك ورثها عن جدي المعروف بسطوته؛ الذي ما زالت حكايات سلطته الأسطورية تتردد على السنة العامة والخاصة حتى يومنا هذا.

ليس هذا مربط الفرس، المهم أنني اكتسبت صفة جديدة لم تعرف لها سابقة في سجل عائلتنا المجيدة، وهي أنني رجل جبان أمام الصراصير، هذا هو مربط الفرس. ليس جبنا بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هو أشبه بمزيج من خوف وتقزز في آن معا، طبعا ليس كل الصراصير بل ذلك النوع الأحمر الكبير الذي يسمونه في بلادنا صراصير الخشب.

على الأرجح إن هذه التسمية لم تلتصق بها عبثا، ذلك أنها مغرمة بالإقامة في هذا الملاذ الدافئ شتاء البارد صيفا، وعندما يشح عليها الطعام لا تعدم وسيلة التغذية، فهي تقتات على هذا الخشب الدافئ الرطب.

ذات يوم بعيد – لا أدري بالتحديد متى، المهم انه يوم مشؤوم في حياتي كرَبّ عائلة- دخل صرصور أحمر مقزز من تحت ضلفة الباب- اللعنة على هذا الباب دائما مفتوح على مصراعيه للعدو قبل الصديق- المهم: أن الصرصور سلك طريقه بسرعة خاطفة إلى المطبخ، تركت كل ما بيدي ولحقت به حاملا الحذاء بيميني وهويت عليه بضربة ربما لو أصابته لسوَّت جسده بالأرض، ولكن الصرصور البغيض ملص وسبح تحت الثلاجة، أزحت الثلاجة من مكانها فما وجدت له أثرا. تساءلت فيما بيني وبين نفسي بقلق:

-"ترى أين ذهب هذا المخلوق القذر؟"

وفكرت أنه ربما تسلل دون أن ألمحه نحو خزانة المطبخ، فقمت من فوري وفتشتها بوصة بوصة ولكن دون فائدة.

عدت مجددا للتفكير في أمر الثلاجة، وقدرت في هذه المرة أنه لجّ إلى بطانتها الداخلية، في هذه اللحظة شعرت باليأس من الإمساك به، ولكنني لم أتهاون في أمره ولم أعدم الوسيلة لملاحقته.

اقترحت على زوجتي اللامبالية أن نتخلص من الثلاجة برمتها مقابل أن أشتري لها ثلاجة جديدة، لكي نقصي إلى الأبد خطر هذا الصرصور الداهم. وبمجرد أن سمعتْ اقتراحي راحت تقدد ثوبها جزعا، وولولت صارخة:

-"هل جننت يا رجل؟ نرمي الثلاجة من أجل صرصور حقير!"

ثم استدركتْ محاولة طمأنتي:

-" إن الأمر برمته لا يستأهل كل هذا التعب، على أية حال انه صرصور يتيم وسوف يموت إن عاجلا أو آجلا."

وهكذا رفضتْ زوجتي هذا العرض السخي من جانبي، وبالمقابل أمنتُ لكلامها المعسول وسكتُ مؤقتا عن حربي الضروس ضد هذا الصرصور الماكر.

ومع ذلك لم يهدأ لي بال، بقي هذا الصرصور يقض مضجعي بهيئته المفزعة ومكره اللامحدود، وصرت أفكر فيه أكثر مما أفكر في شؤون البيت.في الحقيقة كانت خشيتي أن يكون هذا الصرصور أنثى وبالتالي أن يغدو البيت برمته مفرخة للصراصير، وتضيق علي عيشتي.

كان ظني في محله إذ صحوت من النوم ذات ليلة منكودة فوجدت مصطبة المطبخ مثل مستنقع آسن مع مئات الصراصير راتعة تنقب بين عروق البلاط، فأصابني الغيظ وتملكني غضب شديد على نفسي لأني طاوعت زوجتي بالسكوت عن أمر جلل، وقلت في نفسي لائما:

" هذا ثمن سكوتي"

ولم انم تلك الليلة، في الصباح هرولت إلى الصيدلية واشتريت علبة D.D.T ورششتها بكاملها في المطبخ.في نفس الليلة راقبت الوضع فاكتشفت أن مذبحة للصراصير حدثت في المطبخ جراء هذا السلاح غير التقليدي، كان منظرها وهي ممدة على المصطبة يذكرني بأشلاء جنود نابليون في معركة واترلو.

استرحت من أعماقي.ولكن فرحة المحزون لا تتم، إذ فوجئت في الليالي التالية أن ما بقي منها على قيد الحياة كان أضعاف أضعاف ما توقعت، فتلاشت نشوة النصر الزائف أمام أرتال الصراصير الزاحفة من كل حدب وصوب في جميع أركان البيت.

"أي قدرة عجيبة على التناسل تمتلكها هذه المخلوقات القوادة؟!"

كان الأمر في الأشهر الأولى محتملا مع عدة مئات من الصراصير في بيت واسع وكثير الحجرات.ولكن تتالي الأيام كان كفيلا بزيادة عددها بشكل لا يصدق وتحولت الحياة في البيت إلى جحيم لا يطاق، على هذا النحو صرت زبونا دائما لدى الصيدليات المعروفة واقتنيت أحدث وافتك المبيدات ولكن دون فائدة ترجى، لقد اتخذت هذه الصراصير استراتيجيتها الدفاعية ووضعتني في خانة (الّْيَكْ) وكأنها تقول لي:

-"إما أن تقبل وجودنا في هذا البيت أو ترحل عنه."

على هذا الأساس أيقنت أن من العسير الخلاص منها، بل الأدهى من ذلك أنها ابتكرت استراتيجيات خاصة للتعايش مع كافة أنواع المبيدات بحيث صار استخدام هذا السلاح ضرب من العبث أمام ما تطوره هذه الأوغاد من آليات الدفاع. فوهنت عزيمتي وخارت قواي دفعة واحدة.

كانت تنام في النهار في ملاذاتها الدافئة في عروق الخشب وفي دواليب الملابس، وفي الليل حيث نأوي إلى مهاجعنا المؤرقة بكوابيس الصراصير، كانت هي تبدأ رحلة العبث الشيطاني فتكا وتخريبا في مقتنيات البيت، وعلقت زوجتي على الأمر:

-"إنها صراصير في غاية المكر تخرب كل شيء في صمت وتبالغ في إظهار نفسها كمخلوقات وديعة!"

وذات يوم-وكان الأسوأ في تاريخ هذا البيت- دخلتُ حجرة منعزلة نحتفظ فيها بمقتنيات تاريخية وآثار لمؤسسي العائلة، فوجدت صورة جدي الأول ممسوخة بعد أن قضمت الصراصير شاربيه العتيدين وحفرت عينه اليمين فبدا أعورا قبيحا وعاريا من كل أسباب سطوته المعهودة.

ووجدتها أيضا قد فتكت ببقية الجداريات المعلقة منذ عهود طويلة، والتهمت ستائر الساتان وخربت صور الذكريات القديمة بحيث لم يسلم شيء في البيت من عبثها.

كنت أتوهمها في منامي وهي تقرض أنفي بأسنانها الرطبة وتلحس لبابة أذني بألسنتها اللزجة السيالة وهي تهمر بصوت عال:"سكسك سكسك سكسك."

وفقدت شهيتي للطعام؛ لأني كنت أتوهمها وهي تسابقني إلى صحني، وأوشك نظام البيت على الانهيار إذ فقدت رغبتي في الفراش، وقد أدركت ذلك زوجتي فصارت تتجمل كعدها في أيام الصبا، ومع ذلك لم تواتيني الرغبة للاقتراب من فراشها، في الحقيقة كنت أتوهم تلك الصراصير البغيضة وهي تسبح على جسدها العاري وتسابقني إلى مبتغاي.

وذات ليلة ليلاء كنت جالسا على طاولة السفرة منكودا أفكر في حيلة للخلاص من هذا العبث، فرأيت صرصورا يخرج شاربيه من شق صغير في الطاولة، ضربته بفوطة كانت قريبة من يدي، ولكنه دخل بسرعة إلى مأواه، بعد ثوان معدودة عاد وخرج من نفس المكان، فهششت عليه بيدي يائسا من الافلاح بسحقه وانزلق إلى حرزه المكين، بعد لحظات عاد وخرج من جديد، وهكذا استمر على هذا المنوال عدة دقائق وهو يستفزني بنظراته السافلة.

"يا الهي هل انبرت هذه الصراصير في حربها الضروس ضدي، وأي معنى من وراء هذه الحركات البغيضة؟! لا بد أن هذه الصراصير تتعمد استفزازي بحركاتها اللعوبة"

وضعت أذني على الطاولة فسمعت هسيسها آت من بين مسام الخشب:"سكسك سكسك ...." انه نفس الصوت الذي اسمعه في كوابيسي الدائمة، وخطر لبالي أن هذه الصراصير تتكلم. ولمت نفسي لهذا الخاطر:

"يا الهي هل وصل بي الأمر إلى حد أن أصدق أن الصراصير تتكلم؟!"

وألحت علي الفكرة وهيمنت علي يوما بعد يوم، وبت متأكدا أنها تتكلم فعلا، ولكنها تريد من يتقن لغتها.وهكذا رحت أبحث بجد منقطع النظير عمن يتقن لغة الصراصير حتى وجدته –أرجوكم لا تسألوني كيف- المهم أني وجدته، انه رجل بلا اسم ولا وطن ولم يعرف له هوية على وجه الدقة.

أحضرته إلى البيت، جلس إلى الطاولة التي فيها مكمن الصراصير ووضع أذنه على مكمنها وراح يتسمع عبر مسامات الخشب وأنا منصت له، وخيل لي أنني كنت اسمع حديثها. قلت له بلهفة:

-" ها، ماذا فهمت منها؟"

لوى بوزه في حركة تشي عن عدم ارتياح، وقال وهو يفرك أصابعه:

-" حسنا، إنها ترفض أن تتحدث معك على طاولة واحدة."

سألته بلهفة:

-لماذا؟

أجاب:

-"لا فائدة ترجى من الحديث، طالما أن البيت مليء بأسلحة فتاكة ضد الصراصير."

وسكت برهة قصيرة كما لو أنه يريد أن يقرأ أثر كلامه في وجهي العبوس، ثم استدرك:

-"عليك أن تتخلص من هذه الأسلحة أولا."

صحت في وجه بصوت حاد النبرة:

-"انك تطلب المستحيل كيف أترك البيت بلا دفاع."

فغادر دون أن يلتفت إلي، ورد بهدوء مثير للأعصاب:

-"هذه تعليمات الصراصير وما أنا إلا وسيط."

وهكذا وجدت نفسي محاصرا بهذه الفكرة البغيضة وشاورت زوجتي فقالت:

-"لا بأس من التخلص من هذه الأسلحة مؤقتا كنوع من المناورة."

وتخلصت فعلا من كافة المبيدات في البيت وأشهدت على ذلك الجيران والوسيط وكل من له صلة بهذا الموضوع من قريب أو من بعيد.

وذهبت إلى الوسيط وطلبت منه أن يعيد الكرّة فأتى وجلس إلى الطاولة كالمرة السابقة، كان وجهه لا ينبئ بالخير، فقال لكي يخفف من وقع كلماته لأنني في الحقيقة كنت في حالة زرية من التعب:

-"انه لأمر مؤسف حقا."

-" ما الجديد؟" سألته.

-"إنها تريد ضمانة أن لا تدخل هذه الأسلحة إلى البيت في المستقبل."

في تلك اللحظة غامت الدنيا في وجهي وتغبشت الرؤية في محيطي، كنت أحدق في الفراغ دون أن أرى شيئا، وشعرت أنني أصاب في مقتل، وبت في شك من أمري إن كنت فعلا سيد هذا البيت وصاحبه. وبعد أن عدت من جديد إلى واقعي المزري سألته:

-" وكيف السبيل إلى مثل هذه الضمانة؟"

فاطرق للحظات وأجاب:

-"الأمر بسيط، لجنة مراقبة دائمة على مداخل البيت وفي الممرات بين الحجرات."

قلت له:

-"ولكن هذا أمر يصعب قبوله، كيف أسمح لأشخاص غرباء أن يدخلوا بيتي ويهتكون أسرار عائلتي؟!."

-" معك حق" أجاب الوسيط، ثم هز رأسه واستدرك:

-" يمكن الاستعاضة عن المراقبين داخل البيت بكاميرات تصوير متحركة."

كان هذا الاقتراح على سوءه أفضل من سابقه، فقبلته على مضض، دون حتى أن أشاور زوجتي ولا حتى أولادي الراشدين. ولا أخفي أنني صرت في هذه القضية نزاعا للفردية ولم أعد أسترشد بآراء الآخرين رغم قناعتي التامة أن أفكارهم أحيانا في غاية الجدية. وفي الحقيقة مع اختزال سلطتي في البيت صرت أعوض هذا النقص بالاستبداد في الرأي.

وعندما حان موعد الجلسة الجديدة مع الوسيط كنت متفائلا، جاء في موعده وتفقد الوضع وأبدى إعجابه بامتثالي لكافة الشروط مع بعض التحفظات هنا وهناك. وجلس على الطاولة نفسها وراح يتسمع لكلام الصراصير، وكان يصر عينيه بين الحين والآخر ويقضم شفته السفلى بأسنانه الناصعة البياض، وكنت ارقبه على قلق، وقدرت أن الوضع لا يبعث على التفاؤل كما توقعت، اعتدل في جلسته واحتار من أين يبدأ الكلام:

-" حسنا، باختصار ثمة مواد كثيرة في البيت يمكن أن تضر بالصراصير."

وأكدت له أني حرقت كل شيء، وانه شاهد على صدق روايتي، فقال:

-"هل يغضبك أن أعمل جولة في البيت للتأكد؟"

فأجبته وأنا على يقين أنني فقدت قدرتي على الغضب منذ زمن طويل:

-" تفضل."

وكأنه يعرف طريقه بالضبط؛ ذهب إلى الحمام وتناول علبة منظف Detol وقال:

-" هذه هي المشكلة."

-" قلت له إنها لأغراض الغسيل لا أكثر ولا أقل."

ولم يعجبه رأيي، فرد مؤكدا:

-" يا عزيزي، إنها ذات استعمال مزدوج بما تحتويه من نسب عالية من البيوتانول المزعج للصراصير برائحته النفاذة.

وهكذا وجدت نفسي مضطرا أن أتخلص من كافة أنواع الصابون في البيت، ولم تقف الأمور في سوئها عند هذا الحد، إذ وجدت نفسي فيما تلا من جلسات مضطرا للتخلص من براميل المخللات؛ لان أبخرة الاسيتيك تقض مضجعها، ومن المنظفات ذات التركيز العالي من هيدروكسيد الصوديوم لأنها تسبب لها الأرق في الأيام الرطبة، ومن مساحيق الخمائر والمعجنات لأن كربونات الصوديوم تمتص الرطوبة من الجو وتؤذي جلودها الناعمة، ومن كرات النفثالين الطاردة للعث لأنها تجلب لها الإحباط المعنوي بالإضافة إلى الاضطرابات المعوية وعسر الهضم.

في هذه الأثناء تكاثرت الصراصير في البيت بشكل لا يصدق وامتلأت كافة الحجرات والممرات ولم يعد مرفق واحد في البيت يخلو من مكمن لهذه الصراصير، الأمر الذي دفعني لتقديم تنازلات اكبر بمقابل أن أعيش بمعزل عن هذا القرف.

وبت أنتظر موعد الجلسة الجديدة على أحر من الجمر إلى أن حضر الوسيط بعد أشهر طويلة ومضنية من الاتصالات الدؤوبة. وكنت خلال هذه الفترة لم اغتسل ولم أبدل ملابسي بسبب الحظر على المنظفات، فهيمن علي شعور أن رائحتي الكريهة يمكن يشمها المرء عن بعد مئات الأمتار، وتجعد شعري السبط حتى صار مثل نتشة برية هائجة وبهت لونه بفعل ليالي الوسخ الطويلة.

كنت أتجنب الظهور أمام أولادي وزوجتي وأنا في هذه الحالة الزرية، وكلما صادفت واحدا منهم كان صدري يجيش بالحزن ويختلج كآبة على ذكريات أيامنا السعيدة.

أخيرا حضر الوسيط، وجلس إلى الطاولة البغيضة، واستمع لما قالته الصراصير ثم اعتدل في جلسته الأكاديمية كعادته، ورمى في وجهي قنبلة أطاحت بمجامع صوابي حين قال:

-"أنها غير مستعدة للحوار في هذا اليوم."

وحين استعدت هدوئي قلت له متجنبا كل ما من شأنه أن يكدر جو الجلسة:

-" ولكن هذا اليوم هو موعدنا؟!"

قال ببساطة:

-"لا مواعيد مقدسة عند الصراصير."

كانت هذه الحادثة بمثابة طعنة دامية هزت بعنف ركائز سلطتي في البيت وقوضت ثقتي بنفسي أمام أفراد العائلة، وأحسست أنني مهزوم في إرادتي أكثر من أي وقت مضى. كنت في الوقت نفسه أكابر أمام أولادي وأحاول أن أبدو قويا، إلا أن أزمة الصراصير جعلت حياتي وحياتهم في البيت لا تطاق، فبدأ الأولاد يتذمرون وينفرون مني.

في تلك الأيام الصعبة حدث أمر جلل، إذ وجدت رسما كاريكاتوريا على باب حجرتي يمثلني في هيئة زرية وعلى انفي ترقد عدة ذبابات، وتحت الرسم مكتوب العبارة التاليةSad احذروا مصيدة الذباب).

على هذا الأساس تحولت عن أزمتي مع الصراصير لإعادة تدعيم ركائز سلطتي في البيت، فضربت بيد من حديد كل من سولت له نفسه من أولادي أن يعبث بقراراتي أو يقلل من شأني.ولما فرغت من هذه المعركة الهامشية عدت إلى معركتي المركزية فاكتشفت أنها تحولت قضية تستعصي على الحل، إذ وجدت أن الصراصير قد سيطرت على معظم المرافق الحيوية في البيت، ولم تبق لنا إلا بعض المعازل الصغيرة بحيث أصبح التنقل بين الحجرات شبه مستحيل.

عندها رحت أبحث عن الوسيط لكي أتوسل له أن يأتي ليرى بنفسه حجم المأساة في البيت، ولكني لم أستطع الدخول إليه فعرضت شكواي إلى أحد مساعديه الصغار فقام بدوره وناولني ورقة تحتوي على ملاحظات يجب الأخذ بها بعين الاعتبار من قبيل: ضرورة إعادة تأهيل نفسي وأفراد عائلتي لتقبل وجود الصراصير في البيت بحميمية بالغة، وعدم اقتناء مواد تحريضية ومطبوعات من شأنها تأجيج حالة العداء مع الصراصير...الخ.

وحين أكملت قراءة الورقة استوضحت عن موعد الجلسة القادمة فقال الرجل:

-"يوم الأربعاء."

سألته من جديد:

-" أي أربعاء من فضلك؟"

-"الأربعاء القادم" أجاب.

وعدت إلى البيت أجاهد نفسي كي أبدو قويا، وحين شارفته استقبلتني الأولاد بخضوع تام ولكنه مصطنع، سألني احدهم بلهجة لا تخلو من مكر:

-" متى موعد الجلسة القادمة؟"

أجبته:

"الأربعاء"

-" أي أربعاء؟" سألني مجددا.

-"الأربعاء القادم." أجبته.

فضحك في حضرتي لأول مرّة في حياته وعلّق باستهزاء واضح:

-" ولكن كل الاربعاءات قادمة، من الآن وحتى الأبد؟!

فكانت صفعة لي لم ادر كيف أردها، ووجدت نفسي عاجزا ومشلولا عن أي فعل إرادي، انسحبت على الفور إلى حجرتي وبي إحساس ممض أن انفي أثقل من المعتاد، واجهت المرآة فرأيت عنقودا من عدة ذبابات راقدة على قمة أنفي، وترددت في أمر طردها عن أنفي، فهي في كل الأحوال كائنات وديعة ولطيفة إلى جانب غيرها من المخلوقات، وهجعت إلى فراشي وأنا أحدث نفسي:

-"حسنا سوف أنظر في أمر هذه الذبابات يوم الأربعاء القادم."

تمت

الاثنين

17/11/2003

مشهور البطران/فلسطين


الغامض

2الصراصير تظهر ليلا Empty رد: الصراصير تظهر ليلا الأربعاء أغسطس 01, 2007 11:06 pm

ليلى

ليلى
ملك/ة المنتدى
ملك/ة المنتدى

رائعة
وممتعة
شكرا كتير
الله يعطيه العافية
ليلى

3الصراصير تظهر ليلا Empty رد: الصراصير تظهر ليلا الخميس أغسطس 02, 2007 2:33 pm

العاشق المجنون

العاشق المجنون
ملك/ة المنتدى
ملك/ة المنتدى

والله يا عمي مو غريبه عن هالكاتب الكبير يكتب هيك موضوع
الله يا رب يوفقو كمان وكمان
شكرا الك غامض ونيالك والله

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى